خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

مسلسل الست أصيلة .. بين التخريب الثقافـي وعودة الأم الهندية

مسلسل الست أصيلة .. بين التخريب الثقافـي وعودة الأم الهندية

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

نزيه أبو نضال -  لا تزال الدراما العربية تذهب الى الحد الأقصى في تقديم الشخصيات النمطية الثابتة.. فهذه شخصية تمثل الشر المطلق، وتلك الخير والطيبة المطلقة.. أو ما يشبه ذلك من شخصيات نمطية.. فهذه فيفي عبده مثلاً: إمرأة متسلطة بلا حدود،  كما في  الحقيقة والسراب ، وتلك أم مضحية بلا حدود أيضاً (ولا الأم الهندية) كما في  الست أصيلة ، أو قد تجدها رئيسة تحرير كاملة الأوصاف كما في  طائر الحب .

أما الشخصيات الانسانية الطبيعية التي تحتوي بدواخلها مجموعة متناقضة ومتعايشة من المكونات السلوكية المتحركة والمتغيرة فلا وجود لها فيما نشاهده من مسلسلات عربية، إلا من رحم ربك!!

في مسلسل الست أصيلة تلعب النجمة فيفي عبده دور أم لأربعة أطفال كانت تعيش في هناء و سعادة مع أبنائها و زوجها الذي كان يعمل سائقاً حتى موته!!..أما كيف ترفرف طيور السعادة والحب وسط شقاء الأب وصبر الأم وصراخ الأطفال واحتياجاتهم.. فعلم ذلك عند الكاتبة د. سميرة محسن والمخرج سامي محمد علي!.. وبما يكرر نفس الذهنية النمطية في رؤية الأشياء التي لا ترى سوى الأبيض والأسود.

المهم أن المسلسل يقوم على وصف حجم معاناة الأم أصيلة، بعد موت زوجها، وكيف تواجه، وهي الخادمة الغلبانة والوحيدة، تحديات الحياة وصعوباتها، في تربية الصغار وإطعامهم وإلباسهم، بل وحتى في مواصلة تعليمهم إلى الشهادات الجامعية، ومع ما يحتاجه الأمر بالطبع من منوعات الحنان والصبر والتضحية والبكاء، والتي تعيد إلينا أمجاد السينما الهندية في الخمسينات والستينات.. حين كانت النساء، خصوصاً، يحتطن على المناديل لزوم الدموع الذاهبات أصلاً لذرفها، على طريقة (كل واحد ببكي على ميتينه)، وبما يضيف أماً جديدة للأمهات الثلاثين المضحيات والعظيمات!! اللواتي يقدمهن المسلسل السوري  أمهات  هذا الرمضان.

وأصيلة ليست مجرد أم غلبانة وأمية، ولكنها صابرة ومثابرة تجري وراء لقمة عيشها، بل هي إمرأة بالغة الحكمة إلى الحد الذي تجعل حتى سيدة القصر، الذي تعمل فيه، كخادمة، تلجأ إليها وتطلب مشورتها للحفاظ على بيتها!!

ومما يساعد هذه الأم على القيام برسالتها أن الست أصيلة تقيم مع أبنائها الأربعة في بدروم القصر الذي تعمل فيه، لدى أسرة أحد رجال الأعمال الأثرياء حسام بك ( الفنان أحمد خليل)، وبما تقدمه زوجته (زيزي البدراوي) لها أحياناً من مساعدات!! (لاحظوا التكافل الاجتماعي بين القطط السمان والفقراء)!!

والست أصيلة، فوق ذلك، إمرأة طموح، فهي تصر، ورغم قسوة الظروف التي تمر بها، على تحقيق رسالتها العظيمة!! بل وتنجح في ذلك.. فيصبح أبناء الخادمة: سوسن وخالد وأحمد وعمر، من حملة الشهادات العليا.

وهنا بالضبط يبرز الدور المخرّب والمزوِّر الذي يمكن للفن أن يلعبه:

إن مشكلة ملايين الأولاد المصريين المتسربين من المدارس أو الذين لم يدخلوها أصلاً، والمنتشرين في شوارع القاهرة.. يبيعون العلكة والسجاير ويمسحون زجاج السيارات، أو يهاجرون بالملايين الى البلاد العربية للأعمال القاسية التي يخجل أبناء البلد من ممارستها! إن مشكلة هؤلاء، كما تقول لنا  المست أصيلة ، بطريقة غير مباشرة، ليست بسبب النظام اقتصادي والاجتماعي الفاسد والخاضع للنهّيبة من السلطة واعوانها ومن القطط السمان، بل لأن الله لم يرزق كل واحد من هؤلاء الملايين أماً مضحية مثل أصيلة!!

الحل سهل، كما ترون! فقط نحن بحاجة إلى ملايين الأمهات المضحيات والطموحات، وستحل أزمة مصر الاقتصادية والسكانية وسيختفي المشردون من الشوارع وسيبقى المواطن المصري في بلده معززاً مكرماً، وستصبح الحياة )لونها بامبي)!! حليب يا قشطة؟ حلاوة يا عسل!! وتوته توته خلصت الحدوته!

هل نحن ضد أن تكون إمرأة ما عصامية ونقدمها كأنموذج؟ بالطبع لا ! ولكننا ضد التزوير، ومع طرح المشكلة الأساسية التي تواجه الملايين، وخاصة حين تفقد الأسرة معيلها الوحيد، فأين دور الدولة هنا؟ وما هي الضمانات الاجتماعية التي يقدمها النظام السياسي والاقتصادي لمواطنيه.

نحن بالطبع لا نريد أن يحوّلنا الحديث عن مسلسل الست أصيلة إلى محاضرة في الاقتصاد أو علم الاجتماع، ولكن حضرتني هذه الأفكار وأنا أتابع مثل هذه الحلول الرومانسية في المسلسلات والسينما العربية.

ذات يوم حين كان الأديب الروسي العظيم أنطون تشيخوف مجرد طبيب يعالج المرضى لاحظ أن مرضاه لا يصحّون، وحين بحث في الأسباب اكتشف أن مرضاه الفقراء لايملكون ثمن الدواء الذي يصفه لهم .. عندها قال: إن العلاج الحقيقي للمرض يجب أن يبدأ أولاً بتغيير النظام السياسي والاقتصادي في روسيا القيصرية!

وعودة إلى المسلسل فإن فيفي، عبده كممثلة، قد اثبتت حضورها الفني، وكما أكدت ذلك في أفلام ومسرحيات، ومسلسلات سابقة مثل:  مازال النيل يجري  و الآنسة كاف  وخصوصاً في  الحقيقة والسراب  التي أطلقها درامياً، رغم ملاحظاتنا العديدة عليه، بحيث رفعت أجرها هذا العام إلى مليون جنيه على المسلسل، وبحيث تقدم الآن مسلسلين معاً في رمضان واحد. والطريف أن نروي هنا ما لاحظه أحد النقاد الخبثاء من ان تسريحة فيفي عبده هي نفسها في المسلسلين: دور الخادمة في  أصيلة ، ودور رئيسة التحرير في  طائر الحب . ويبدو لي من خلال متابعاتي لـ (كلفتات) الدراما العربية أن الأمر مشروع بالنسبة لنجمة مثل الراقصة السابقة فيفي عبده، والتي أصرت، كما يبدو على تقديم مشاهد راقصة كاملة، خلال حفلات زواج ابنائها.. فالزمار، كما يقولون،  يموت وأصبعه يلعب . ومرة عاشرة فإن الدراما العربية قد دخلت مأزقاً حقيقياً بات يطحن ويشوه صورة كبار الفنانين ومكانتهم الابداعية.. إنهم يدخلون بأظلافهم إلى ماراثون السوق الاستهلاكي البشع الذي تفرضه قوانين العولمة الرأسمالية، وحيث صاحب القرار هو المنتج الشاطر، والمعلن الذكي، وأصحاب الفضائيات من مصاصي خفة دم يحي الفخراني وقاتلي موهبة نور الشريف ومشوهي براءة نبيلة عبيد ويسرا وآكلي كتف الهام شاهين و... فيفي عبده!!

إنهم يقتلون الجياد أليس كذلك؟!

وكل عام وأنتم من شهر المسلسلات بخير!

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF